رائحة البخور والعطور والمشربيات واصوات باعة العرقسوس والعناب ودقات الازاميل وهي تعمل في صواني النحاس، كلها أشياء تحتويك بحالة خاصة بمجرد أن تطأ اقدامك شوارع الخان الضيقة ذات الملامح الإنسانية، وحوانيتها الصغيرة التي تتلألأ بما فيها من بضائع ومقاهيها ذات السحر الخاص الذي يتملكك لحظة الجلوس عليها، ومآذنها الأثرية التي تعانق أصوات مؤذنيها عند كل صلاة. وغيرها من الامور التي لم تستطع عوامل الزمن ان تمحها او تغير منها او تغير من اهل المنطقة الذين تطبعوا بها وبحالها.
وقبل أن نتجول بك في جولة في الخان الذي يحتل مكانة خاصة جدا بين الاحياء التاريخية والسياحية في مصر، لا بد أن تعرف بأن كلمة خان كلمة فارسية تعني البيت وكانت تطلق على المنشآت التجارية. وتتشابه الخانات في تخطيطها وعمارتها في معظم البلدان العربية. حيث تتكون في الغالب من طابق ارضي يحتوي على حوش متسع مكشوف او مغطى ويحيط بهذا الحوش اروقة مسقوفة تمتد خلفها حجرات لتخزين البضائع الى جانب وجود مسجد وكنيسة لاداء الصلوات بهما. فضلا عن بعض المنشآت الخيرية كالاسبلة التي كان يعلوها في بعض الاحيان كتاتيب لتعليم اطفال المسلمين من اليتامى والفقراء.
ويحمل الخان لقب الخليلي نسبة الى السلطان جاهركس الخليلي أحد سلاطين المماليك الجراكسة والذي أسسه عام 1382 ميلادية، أي منذ ما يزيد على 620 عاما على أنقاض مقابر الخلفاء الفاطميين فى مصر والتي عرفت باسم «تربة الزعفران» وكان لهذه التربة رسوم وعوائد يحرص عليها كل الخلفاء الفاطميين من حيث زيارتها والتردد عليها وانارتها والتصدق أيام الخلافة الفاطمية.
يقع خان الخليلي في شارع مواز لشارع المعز لدين الله الفاطمي. ويوجد به اثنان من أشهر مساجد مصر الاسلامية هما الجامع الازهر الذي تم بناؤه في العهد الفاطمي، ومسجد الحسين الذي يحظى بمكانة كبيرة في نفوس المصريين الذين تربطهم عاطفة شديدة القوة بآل بيت النبي.
ويتميز خان الخليلي بكثرة عدد حوانيته المتلاصقة الى جوار بعضها البعض في الفة شديدة يباع فيها كل ما يرغب السائح في شرائه من القاهرة بدءا من القطع الاثرية الفرعونية المقلدة بحرفية ودقة شديدة، مرورا بالمشغولات النحاسية والارابيسك التي تخطف العين عندما تقع عليها، انتهاء بالعباءات وبدل الرقص الشرقي التي تجذب السائحين من كل الجنسيات لاقتناء قطعة أو اكثر منها ومحلات الفضة التي تضم أرقى المشغولات الفضية التي لن تجدها إلا في خان الخليلي وتحظى بإقبال شديد من السائحين العرب والأجانب.
المصنوعات الجلدية والنحاسية لها مكان مخصص في الخان لا يقصده السائحون فقط، لكنه يعتبر أحد مقاصد العاملين في مجال التمثيل من الذين يحضرون للخان لشراء الملابس والإكسسوارات التاريخية التي يظهرون بها في الاعمال التاريخية كالسيوف والخوذات النحاسية والاحزمة.اسعار هذه المنتجات تتفاوت حسب حجم الشغل الموجود فيها والخامات المصنوعة منها وتبدأ من 20 جنيه وتصل الى آلاف الجنيهات. ويمكن لأي سائح شراء ما يرغب به من هدايا حسب ذوقه وامكانياته.
وعندما تشعر بالجوع أثناء تجوالك في خان الخليلي يمكنك الذهاب الى مطعم «الدهان» الذي يعد أشهر محال تقديم أطباق الكباب والكفتة في منطقة مصر القديمة كلها والموجود امام جامع الحسين ويشهد ازدحاما كبيرا، سواء من المصريين او السياح العرب والاجانب. وبعد أن تتناول طعامك يكون أمامك الفرصة لتناول طبق من الارز باللبن او العاشوراء في محل «المالكي» الموجود في المنطقة منذ ما يزيد على سبعين عاما ويحظى بشهرة كبيرة في مناطق متعددة من مصر. أما إذا اردت ان «تحبس» الاكلة كما يقول المصريون للدلالة على هضم ما تناولوه من طعام فتستطيع الانتقال الى مقهى الفيشاوي الشهير لاحتساء الشاي الاخضر بالنعناع الذي تشتهر به على نغمات صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم.
يذكر ان الفيشاوي يعد احد اشهر مقاهي مصر وكانت في الماضي مركزا لالتقاء نخبة المجتمع من الفنانين والمثقفين والادباء من امثال سيد درويش وسلامة حجازي وحافظ ابراهيم وزكريا أحمد وبيرم التونسي، الى جانب شلة الحرافيش التي كان يتزعمها الاديب نجيب محفوظ الذي كان احد عشاق تلك المنطقة حتى انه كتب رواية كاملة دارت احداثها فيها وحملت اسم «خان الخليلي».